سورة الإنسان - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإنسان)


        


{إنا نخاف من ربنا يوماً} يعني أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لطلب مكافأتكم {عبوساً} وصف ذلك اليوم بالعبوس مجازاً كما يقال نهاره صائما والمراد أهله والمعنى تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته وقيل وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة. {قمطريراً} يعني شديداً كريهاً يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس، وقيل العبوس الذي لا انبساط فيه، والقمطرير الشديد، وقيل هو أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} أي الذي يخافونه {ولقاهم نضرة} أي حسناً في وجوههم {وسروراً} أي في قلوبهم {وجزاهم بما صبروا} أي على طاعة الله واجتناب معصيته، وقيل على الفقر والجوع مع الوفاء بالنذر والإيثار {جنة وحريراً} أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير {متكئين فيها} أي في الجنة {على الأرائك} جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولا تسمى أريكة إلا إذا اجتمعا {لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً} يعني لا يؤذيهم حر الشمس، ولا برد الزمهرير كما كان يؤذيهم في الدنيا والزمهرير أشد البرد وحكى الزمخشري قولاً أن الزمهرير هو القمر وعن ثعلب أنه في لغة طيئ وأنشد:
وليلة ظلامها قد اعتكر *** قطعتها والزمهرير ما زهر
والمعنى أن الجنة ضياء لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر {ودانية عليهم ظلالها} أي قريبة منهم ظلال أشجارها {وذللت} أي سخرت وقربت {قطوفها} أي ثمارها {تذليلاً} أي يأكلون من ثمارها قياماً وقعوداً ومضطجعين، ويتناولونها كيف شاؤوا وعلى أي حال أرادوا. {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب} قيل هي الكيزان التي لا عرى لها كالقدح ونحوه {كانت قواريرا قواريرا من فضة} قال أهل التفسير أراد بياض الفضة في صفاء القوارير وهو الزجاج، والمعنى أن آنية أهل الجنة من فضة بيضاء في صفاء الزجاج، والمعنى يرى ما في باطنها من ظاهرها، قال الكلبي: إن الله تبارك وتعالى جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم، وإن أرض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها، وقيل إن القوارير التي في الدنيا من الرمل والقوارير التي في الجنة من الفضة، ولكنها أصفى من الزجاج. {قدروها تقديراً} أي قدروا الكؤوس على قدر ريهم، وكفايتهم لا تزيد ولا تنقص. والمعنى أن السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها لهم ثم يسقونهم.


{ويسقون فيها} أي في الجنة {كأساً كان مزاجها زنجبيلاً} قيل إن الزنجبيل هو اسم للعين التي يشرب منها الأبرار يوجد منها طعم الزنجبيل يشرب بها المقربون صرفاً، ويمزج لسائر أهل الجنة، وقيل هو النبت المعروف، والعرب كانوا يجعلون الزنجبيل في شرابهم لأنه يحصل فيه ضرب من اللذع قال الأعشى:
كأن القرنفل والزنجبي *** ل باتا بفيها وأرياً مشورا
الأري العسل والمشور المستخرج من بيوت النحل وقال المسيب بن علس:
فكأن طعم الزنجب *** يل به إذ ذقته سلافة الخمر
فلما كان الزنجبيل مستطاباً عند العرب وصف الله تعالى شراب أهل الجنة بذلك، وقيل إن شرب أهل الجنة على برد الكافور، وطعم الزنجبيل وريح المسك قال ابن عباس: كل ما ذكر الله تعالى في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له مثل في الدنيا، وذلك لأن زنجبيل الجنة لا يشبه زنجبيل الدنيا {عيناً فيها تسمى سلسبيلاً} أي سلسلة منفادة لهم يصرفونها حيث شاؤوا وقيل حديدة الجرية سميت سلسبيلاً لأنها تسيل عليها في طرقهم، ومنازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى سائر الجنان، وقيل سميت بذلك لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق ومعنى تسمى أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم {ويطوف عليهم ولدان مخلدون} أي في الخدمة وقيل مخلدون مسرورون ومقرطون {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} يعني في بياض اللؤلؤ الرطب وحسنه، وصفائه، واللؤلؤ إذا انتثر على البساط كان أصفى منه منظوماً، وقيل إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة.
قوله عز وجل: {وإذا رأيت} قيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل لكل واحد ممن يدخل الجنة والمعنى إذا رأيت ببصرك ونظرت به {ثم} يعني إلى الجنة {رأيت نعيماً} أي لا يوصف عظمه {وملكاً كبيراً} قيل هو أن أدناهم منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه، وقيل هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه وهو استئذان الملائكة عليهم وقيل معناه ملكاً لا زوال له ولا انتقال {عاليهم} أي فوقهم {ثياب سندس خضر} وهو مارق من الديباج {وإستبرق} وهو ما غلظ منه وكلاهما داخل في اسم الحرير {وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً} يعني طاهراً من الأقذار والأردان لم تمسه الأيدي، ولم تدنسه الأرجل كخمر الدنيا وقيل إنه لا يستحيل بولاً، ولكنه يستحيل رشحاً في أبدانهم كرشح المسك، وذلك أنهم يؤتون بالطعام ثم من بعده يؤتون بالشراب الطهور فيشربون منه فتطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحاً يخرج من جلودهم أطيب من المسك الأذفر، وتضمر بطونهم وتعود شهواتهم، وقيل الشراب الطهور هو عين ماء على باب الجنة من شرب منه نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد.


{إن هذا كان لكم جزاء} أي يقال لأهل الجنة بعد دخولهم فيها ومشاهدتهم نعيمها. إن هذا كان لكم جزاء قد أعده الله لكم إلى هذا الوقت. فهو لكم بأعمالكم، وقيل هو إخبار من الله تعالى لعباده المؤمنين أنه قد أعده لهم في الآخرة {وكان سعيكم مشكوراً} أي شكرتكم عليه وآتيتكم أفضل منه، وهو الثواب، وقيل شكر الله لعباده هو رضاء منهم بالقليل من الطاعة وإعطاؤه إياهم الكثير من الخيرات.
قوله عز وجل: {إنا نحن نزلنا عليك} أي يا محمد {القرآن تنزيلاً} قال ابن عباس: متفرقاً آية بعد آية ولم ننزله جملة واحدة، والمعنى أنزلنا عليك القرآن متفرقاً لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، والمقصود من ذلك تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرح صدره وإن الذي أنزله إليه وحي منه ليس بكهانة، ولا سحر لتزول تلك الوحشة التي حصلت له من قول الكفار إنه سحر أو كهانة. {فاصبر لحكم ربك} أي لعبادته فهي من الحكمة المحضة، وقيل معناه فاصبر لحكم ربك في تأخير الإذن في القتال، وقيل هو عام في جميع التكاليف، أي فاصبر لحكم ربك في كل ما حكم الله به سواء كان تكليفاً خاصاً كالعبادات والطاعات أو عاماً متعلقاً بالغير كالتبليغ، وأداء الرسالة وتحمل المشاق وغير ذلك. {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} قيل أراد به أبا جهل، وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أبو جهل عنها، وقال لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن عنقه، وقيل أراد بالآثم عتبة بن ربيعة، وبالكفور الوليد بن المغيرة وذلك أنهما قالا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء، والمال فارجع عن هذا الأمر، وقال عتبة أنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر، وقال الوليد أنا أعطيك من المال حتى ترضى فارجع عن هذا الأمر فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فإن قلت هل من فرق بين الآثم والكفور قلت نعم. الآثم هو المقدم على المعاصي أي معصية كانت، والكفور هو الجاحد فكل كفور آثم، ولا ينعكس لأن من عبد غير الله فقد اجتمع في حقه هذان الوصفان لأنه لما عبد غير الله فقد عصاه وجحد نعمه عليه. {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً} قيل المراد من الذكر الصلاة، والمعنى وصل لربك بكرة يعني صلاة الصبح وأصيلاً يعني صلاة الظهر والعصر {ومن الليل فاسجد له} يعني صلاة المغرب والعشاء فعلى هذا تكون الآية جامعة لمواقيت الصلاة الخمس {وسبحه ليلاً طويلاً} يعني صلاة التطوع بعد المكتوبة وهو التهجد بالليل، وقيل المراد من الآية هو الذكر باللسان، والمقصود أن يكون ذاكراً لله تعالى في جميع الأوقات في الليل والنهار بقلبه وبلسانه. قوله عز وجل: {إن هؤلاء} يعني كفار مكة {يحبون العاجلة} يعني الدار العاجلة، وهي الدنيا. {ويذرون وراءهم} يعني أمامهم {يوماً ثقيلاً} يعني شديداً وهو يوم القيامة والمعنى أنهم يتركونه فلا يؤمنون به، ولا يعملون له {نحن خلقناهم وشددنا} أي قوينا وأحكمنا {أسرهم} أي خلقهم وقيل أوصالهم شددنا بعضها إلى بعض بالعروق والأعصاب، وقيل الأسر مجرى البول والغائط، وذلك أنه إذا خرج الأذى انقبضا. {وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً} أي إذا شئنا أهلكناهم، وآتينا بأشباههم فجعلناهم بدلاً منهم.

1 | 2 | 3